الاكتئاب النفسي “الوباء الصامت” الذي يهدد صحة المغاربة
هبة بريس – عبد اللطيف بركة
يعد الاكتئاب النفسي من أبرز المشكلات الصحية التي تؤثر على الأفراد والمجتمعات في مختلف أنحاء العالم، والمغرب ليس استثناء من هذه الظاهرة.
على الرغم من أن هذا الاضطراب النفسي يمكن أن يؤثر على الأشخاص في جميع الفئات العمرية والمجتمعية، إلا أن التحديات الثقافية، الاجتماعية، والاقتصادية التي يواجهها المغرب تجعل من مشكلة الاكتئاب قضية معقدة تتطلب دراسة معمقة لفهم أبعادها وكيفية معالجتها.
معدل انتشار الاكتئاب في المغرب
تشير التقارير الدولية والمحلية إلى أن الاكتئاب يمثل أحد أبرز اضطرابات الصحة النفسية في المغرب.
وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO) ، يعاني ما يقاربب 26 في المائة من المغاربة يعانون من الاكتئاب في حياتهم ،و 9 في المائة من اضطراب القلق ، و 5،6 من اضطرابات ذهنية ، بينما يعاني 1في المائة من المغاربة من مرض الفصام.
كما أظهرت نفس الدراسة أن النساء أكثر تأثراً بالاكتئاب من الرجال، حيث تسجل النساء معدلات أعلى من 8%، مقارنة بـ 4% بين الرجال.
أسباب الاكتئاب في المغرب
تتعدد الأسباب التي قد تساهم في زيادة معدلات الاكتئاب في المجتمع المغربي، وتختلف من شخص لآخر. وفيما يلي أبرز الأسباب التي تم تحديدها من خلال الدراسات والتقارير العلمية:
الضغوط الاجتماعية والاقتصادية: يعاني العديد من المغاربة من الضغوط الاقتصادية التي تشمل البطالة والفقر وعدم الاستقرار الاقتصادي. تؤدي هذه العوامل إلى شعور بالفشل والإحباط، مما يزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب.
التحولات الاجتماعية: مع التحولات الاجتماعية السريعة التي يشهدها المغرب، من الهجرة الداخلية، وانتشار الحياة الحضرية، وتغير القيم التقليدية، يشعر الكثير من الأفراد بالضياع وفقدان الهوية، وهو ما قد يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب.
الوصمة الاجتماعية: تعد الوصمة المرتبطة بالصحة النفسية أحد العوامل التي تمنع الكثير من الأشخاص من طلب المساعدة. الثقافة المجتمعية في المغرب تميل إلى النظر إلى المرض النفسي بشكل سلبي، مما يعزز مشاعر العزلة ويزيد من تفاقم الأعراض.
الأحداث الصادمة والتجارب الشخصية: كشفت الدراسات عن أن العديد من المغاربة الذين يعانون من الاكتئاب قد مروا بتجارب مؤلمة، مثل فقدان الأحباء أو التعرض لصدمات نفسية. كما أن العلاقات الأسرية المتوترة أو حالات العنف المنزلي يمكن أن تسهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة.
الأعراض والتأثيرات
تتنوع أعراض الاكتئاب بين الأفراد، لكنها غالباً ما تتضمن:
التقلبات المزاجية: مثل الشعور بالحزن المستمر، وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية.
القلق والتوتر: يترافق الاكتئاب في العديد من الحالات مع شعور دائم بالقلق أو التوتر.
التغيرات في النوم والشهية: حيث قد يعاني الأفراد من مشاكل في النوم، سواء كان الأرق أو النوم المفرط، وكذلك التغيرات في الشهية وفقدان الوزن أو زيادته.
الشعور بالعجز: يعاني الأشخاص المكتئبون غالباً من شعور بالعجز وفقدان الأمل في المستقبل.
التفكير الانتحاري: في الحالات الشديدة، قد يصل الاكتئاب إلى مرحلة تفكير الفرد في الانتحار، مما يستدعي تدخلاً عاجلاً.
معطيات صادمة بشأن الإضطرابات والأمراض النفسية
يشهد المغرب نقصًا حادًا في الطواقم الطبية العاملة في الصحة النفسية، فالموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال غير كافية لمواجهة الانتشار المتزايد للاضطرابات النفسية.
ويفيد تقرير رسمي بأن عدد الأطباء النفسيين في البلاد يبلغ 343 طبيبًا، بينما يعُد علماء النفس 214 عالمًا من بينهم 200 يعملون في القطاع الخاص.
والتقرير نفسه يبيّن أن في المغرب 1335 ممرضًا في الطب النفسي و16 طبيبًا نفسانيًا للأطفال و14 مساعدًا اجتماعيًا و64 طبيبًا متخصصًا في علاج الإدمان. ويرى كثر أن هذه المعطيات غير كافية.
التحديات في التشخيص والعلاج
يواجه المغرب العديد من التحديات في مجال التشخيص والعلاج الفعال للاكتئاب. من أبرز هذه التحديات:
نقص الوعي: لا يزال الوعي بالاضطرابات النفسية، بما في ذلك الاكتئاب، محدوداً في الكثير من المناطق، خاصة في الأرياف. العديد من الأفراد قد لا يدركون أنهم مصابون بالاكتئاب أو يربطون الأعراض بمشاكل أخرى.
العوائق الثقافية: كما تم ذكره، يعد الوصم الاجتماعي للمشاكل النفسية من أكبر العوائق التي تواجه الأفراد في طلب المساعدة. يعاني كثير من الأشخاص من الخوف من الفضيحة أو عدم التفهم من قبل المحيط الاجتماعي.
نقص المتخصصين في الصحة النفسية: رغم أن هناك زيادة ملحوظة في عدد الأطباء النفسيين في المغرب، إلا أن النقص في الموارد البشرية المتخصصة لا يزال يمثل تحدياً كبيراً، خصوصاً في المناطق الريفية التي تفتقر إلى هذه الخدمات.
القيود المالية والموارد المحدودة: قد تقيد القدرات المالية للأفراد في الحصول على العلاج، خصوصاً العلاج النفسي والعلاج الدوائي، مما يجعلهم يواجهون صعوبة في تلقي الرعاية اللازمة.
الاستجابة والتدابير العلاجية
في السنوات الأخيرة، بدأت الحكومة المغربية ومنظمات المجتمع المدني بالتركيز على تحسين الرعاية النفسية ورفع الوعي حول الاكتئاب.
تطوير الخدمات النفسية: تم إنشاء عدة مراكز صحية متخصصة في الطب النفسي في مختلف المدن المغربية، مثل المركز الوطني للصحة النفسية في الرباط. وقد ساعدت هذه المراكز في تحسين الوصول إلى العلاج للعديد من المرضى.
التثقيف المجتمعي: تقوم بعض المنظمات غير الحكومية بإطلاق حملات توعية لتحطيم الوصمة المرتبطة بالصحة النفسية، وذلك من خلال الوسائل الإعلامية والندوات المجتمعية.
التعاون الدولي: تتعاون الحكومة المغربية مع منظمات الصحة العالمية والجمعيات الدولية لتعزيز برامج الصحة النفسية وتنمية المهارات لدى الأطباء النفسيين.
التركيز على العلاج النفسي: يتم التأكيد على أهمية العلاج النفسي بجانب العلاج الدوائي. بدأ العديد من الأطباء في المغرب بإدخال العلاجات السلوكية المعرفية كأحد أساليب العلاج الرئيسية للاكتئاب.
إن الاكتئاب النفسي يمثل تحدياً صحياً مهماً في المغرب، وهو بحاجة إلى استجابة منسقة تشمل رفع الوعي، تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية النفسية، وتدريب المتخصصين.
من خلال التعامل مع الوصمة الاجتماعية، تعزيز الوعي بالصحة النفسية، وتحسين جودة الخدمات المتاحة، يمكن للمغرب أن يحقق تقدمًا في تقليص معدلات الاكتئاب وتحسين نوعية حياة مرضاه.