أمريكا.. تسييس الكوارث الطبيعية يشعل نيران المواجهة بين الديمقراطيين والجمهوريين

هبة بريس- عبد اللطيف بركة 

تعد حرائق الغابات التي تجتاح مناطق من لوس أنجلوس وغيرها من المناطق في ولاية كاليفورنيا واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي تهدد الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أصبحت بذلك بؤرة للانقسام السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين.

وفي وقت يقترب فيه الرئيس الجمهوري المنتخب، دونالد ترامب، من أداء اليمين الدستوري لفترة رئاسية ثانية، يتصاعد الجدل حول كيفية التعامل مع هذه الكوارث والأسباب المحتملة وراءها.

ويظهر هذا النزاع بشكل جلي بين حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، ورئيس الولايات المتحدة المقبل دونالد ترامب، حيث يعكس خلافاتهما حول السياسات البيئية والإدارية التي تثير تساؤلات بشأن المستقبل القريب للولايات المتحدة في ظل ولاية ترامب الثانية.

أوجه الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين:

1. تفسير أسباب الحرائق:

في الوقت الذي تتفاقم فيه الحرائق في كاليفورنيا، يقدم الديمقراطيون والجمهوريون تفسيرات متباينة تمامًا لأسبابها. بالنسبة للديمقراطيين، الذين يتصدرهم حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، فإن هذه الحرائق ما هي إلا نتيجة واضحة لتغير المناخ العالمي، وهو أمر يعتبرونه تهديدًا مستمرًا يستدعي تغييرات جذرية في السياسات البيئية. نيوسوم نفسه أشار إلى أن الشدة غير المسبوقة للحرائق تعود إلى الرياح العاتية والجفاف المستمر، وهو ما اعتبره دليلاً على أن تغير المناخ أصبح واقعًا لا يمكن تجاهله.

أما الجمهوريون، بما فيهم ترامب، فقد اعتبروا أن هذه الحرائق ناجمة عن سوء الإدارة من قبل المسؤولين المحليين والدولة، معتبرين أن هناك إهمالًا في إدارة الغابات وتنظيفها من الأعشاب الجافة القابلة للاشتعال. ترامب، على سبيل المثال، وجه اللوم بشكل مباشر إلى حاكم كاليفورنيا، نيوسوم، ووصفه بـ”نيوسكوم”، مما يعكس عدم ثقته في سياسات إدارة الحرائق تحت قيادته.

2. تسييس المأساة:

تتزايد ملامح التسييس حول هذه الكارثة الطبيعية. في الوقت الذي كان من المتوقع أن يتحد السياسيون في مواجهة الأزمة، نشبت خلافات حادة بين الديمقراطيين والجمهوريين. ففي حين دعا نيوسوم ترامب إلى زيارة مناطق الحرائق لمتابعة الأضرار والتفاعل مع المتضررين، إلا أن نيوسوم عاد ليصف بعض التصريحات التي أدلى بها ترامب حول حجب المياه بأنها “وهمية”، في إشارة إلى مزاعم الرئيس المنتخب بأن المياه تُحجب عن جنوب كاليفورنيا لأغراض بيئية. وهذه التصريحات أثارت ردود فعل متباينة، حيث اعتبرها البعض محاولات لذر الرماد في العيون وتسييس المأساة.

3. اتهام ترامب بالمعلومات المضللة:

بجانب تسييس الحادثة، برزت قضية المعلومات المضللة التي نشرها ترامب بشأن السياسات البيئية في كاليفورنيا. في تصريحات علنية، ادعى ترامب أن سياسات الولاية البيئية هي السبب في نقص المياه في المنطقة، حيث كان يزعم أن المياه تُخصص لحماية أنواع من الأسماك بدلاً من استخدامها في مكافحة الحرائق. لكن الواقع يكشف أن معظم المياه في لوس أنجلوس تأتي من نهر كولورادو وتستخدم بشكل أساسي في القطاع الزراعي. هذا التلاعب في الحقائق زاد من التوتر بين الفصائل السياسية، وأدى إلى مزيد من الانقسام بين القاعدة الجماهيرية للطرفين.

4. مواقف متباينة بشأن الاستجابة الفيدرالية:

على الرغم من أن نيوسوم، الذي يعتبر من أبرز الشخصيات الديمقراطية في البلاد، قد أبدى استعداده للتعاون مع ترامب، إلا أن الشكوك حول نية الأخير في تقديم المساعدات الفيدرالية للولاية تزداد بين المسؤولين المحليين في كاليفورنيا. فقد أشار نيوسوم إلى أن المخاوف من أن ترامب قد يحجب هذه المساعدات تبدو “معقولة”، وهو ما يعكس حالة من عدم الثقة بين الطرفين.

5. الاستفادة السياسية من الكارثة:

فيما يتعلق بالقضايا السياسية الكبرى، يستخدم الجمهوريون مثل ترامب الحرائق لتوجيه الانتقادات ضد سياسات الإدارة الديمقراطية. مع اقتراب استعادة ترامب للسلطة، يتوقع أن يستمر هذا النوع من الهجوم السياسي ضد الديمقراطيين في قضايا متعددة، بما في ذلك السياسات البيئية والإدارية. في المقابل، يسعى الديمقراطيون لاستغلال هذه الأزمات لإبراز أهمية سياساتهم البيئية في التصدي لتغير المناخ.

الآنية والمستقبل القريب:
بينما يستمر الصراع بين الطرفين على خلفية هذه الكوارث الطبيعية، فإن الوضع في كاليفورنيا يظهر بوادر تحول نحو المزيد من التوترات السياسية، خاصة مع اقتراب ترامب من بداية ولايته الثانية. قد يؤدي هذا إلى تصاعد الخلافات بين الولايات التي يهيمن عليها الديمقراطيون والحكومة الفيدرالية التي يقودها الجمهوريون. في الوقت نفسه، من المتوقع أن تُشكل أزمة حرائق كاليفورنيا جزءًا من النقاش السياسي الأوسع حول مستقبل السياسات البيئية في الولايات المتحدة، والتي قد تكون محورًا رئيسيًا في الانتخابات الرئاسية القادمة.

و تُعد الحرائق في كاليفورنيا مثالًا حادًا على كيفية تسييس الكوارث الطبيعية في السياسة الأمريكية، حيث يستخدم كل طرف هذه الأحداث لتأكيد صحة مواقفه السياسية. ومع اقتراب ترامب من تولي الرئاسة لفترة ثانية، ستظل هذه الخلافات تشكل ساحة معركة سياسية قد تؤثر بشكل كبير على السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة في المستقبل القريب

قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى